من بين العرب هناك من يعتقد بأن إيران يمكن لها أن تدخل في علاقة جيدة ومستمرة مع الدول العربية على اختلاف قربها وبعدها الجغرافي، علاقة نديّة وقائمة على المصالح المشتركة، لكن مثل هذا التصوّر هو أقرب إلى الأماني منه إلى الواقعية التي يمكن أن يكتب لها النجاح على الأرض، فالتاريخ الطويل بين إيران والدول العربية على اختلاف فتراته يثبت عكس ذلك. وموضوعٌ كهذا يحتاج إلى تفصيل يصعب تلخيصه.
وهنالك أسباب سياسية وثقافية كثيرة ومختلفة راكمت محمولاتها الأفعال، والمرويات الدينية والتراثية، ودخلت في ثناياها حتى الأسطورة والخرافة. ما يلفتُ بين إيران في بعدها الفارسي والعرب، هو أن كل طرف يعرف الطرف الآخر معرفة جيدة ويحفظه عن ظهر قلب. والمرء يستمع إلى خطاب الرئيس العراقي برهم صالح، يتفاءل خيراً بهذه الرؤية لهواجس دول المنطقة الخليجية والعربية، لكن حينما يتأمل دوافع تحفظه على البيان الختامي للقمة العربية في مكة، يشعر بنوع من الصدمة، ليقف على حقيقة أبعاد التغلغل الإيراني في العراق، ويتساءل إلى أي مدى يمثل اليوم العراق العربي نفسه ويتطابق مع تاريخه شعباً وأرضاً وهويّة؟
وتراءت لي على الفور مذكرات محمد خاتمي، الرئيس الخامس لإيران (1997 -2005)، حيث كتب:(لمّا اشتدّت الحرب بين العراق وأميركا في ربيع 2003، صار من الممكن الانسحاب لقوى التحالف للخسائر السريعة التي ألحقها العراقيون بالتحالف العالمي، إذ مرَّت 15 يوماً تقاتل أميركا في قرية عراقية صغيرة اسمها «أم قصر» ولم تتقدّم شبراً واحداً، بل على العكس كانت الخسائر في القوات الأميركية والبريطانية والأسترالية فادحة بالمعدات والرجال. في اليوم السادس عشر زار رئيس الوزراء البريطاني توني بلير طهران سرّاً وطلب منّا السماح بدخول القوات البريطانية والأسترالية عن طريق إيران لخنق العراقيّين من الخلف.. ووافَقْنا فوراً، لأنَّ في ذلك فائدةً كبيرةً لنا وخدمةً يؤديها التحالف بشكل مجاني لنا، فدخلت على الفور قوات بريطانية وأسترالية ونيوزيلندية إلى بندر عباس في إيران وسارت مباشرة، برّاً وسرّاً في الليل لخنق العراقيّين.. لقد مهّدنا لهم الدرب. وفي اليوم التاسع عشر أُخرجت القواتُ العراقيةُ تماماً من الخدمة وقد خسرت أكبرَ وأخطرَ جبهة قتال ضد التحالف العالمي في أم قصر لسماحنا بدخول التحالف إلى إيران. فلولانا لما استطاع، لا الأميركان ولا الإنجليز احتلال العراق ولم يُمهّد الطريق لنا للاستيلاء عليه).
إنها الحقيقة المرّة لإيران المسلمة، والمجاورة، والشامتة دوماً. إيران، التي يتعين عليها العودة إلى «الدولة» وسلوكها لا إلى الثورة وتهوراتها، لتفهم أن جبرية الجغرافيا لا يجب أن تسمح لإيران بالتمادي والتدخل في شؤون دول الجوار والعبث باستقرارها وأمنها وتعثير تقدمها وتنميتها، لا تسمح لها تلك الجبرية بالاستمرار في ممارسات لا عقلانية تمليها أحلام توسعيّة لا علاقة لها بالعصر الحديث.
وهنالك أسباب سياسية وثقافية كثيرة ومختلفة راكمت محمولاتها الأفعال، والمرويات الدينية والتراثية، ودخلت في ثناياها حتى الأسطورة والخرافة. ما يلفتُ بين إيران في بعدها الفارسي والعرب، هو أن كل طرف يعرف الطرف الآخر معرفة جيدة ويحفظه عن ظهر قلب. والمرء يستمع إلى خطاب الرئيس العراقي برهم صالح، يتفاءل خيراً بهذه الرؤية لهواجس دول المنطقة الخليجية والعربية، لكن حينما يتأمل دوافع تحفظه على البيان الختامي للقمة العربية في مكة، يشعر بنوع من الصدمة، ليقف على حقيقة أبعاد التغلغل الإيراني في العراق، ويتساءل إلى أي مدى يمثل اليوم العراق العربي نفسه ويتطابق مع تاريخه شعباً وأرضاً وهويّة؟
وتراءت لي على الفور مذكرات محمد خاتمي، الرئيس الخامس لإيران (1997 -2005)، حيث كتب:(لمّا اشتدّت الحرب بين العراق وأميركا في ربيع 2003، صار من الممكن الانسحاب لقوى التحالف للخسائر السريعة التي ألحقها العراقيون بالتحالف العالمي، إذ مرَّت 15 يوماً تقاتل أميركا في قرية عراقية صغيرة اسمها «أم قصر» ولم تتقدّم شبراً واحداً، بل على العكس كانت الخسائر في القوات الأميركية والبريطانية والأسترالية فادحة بالمعدات والرجال. في اليوم السادس عشر زار رئيس الوزراء البريطاني توني بلير طهران سرّاً وطلب منّا السماح بدخول القوات البريطانية والأسترالية عن طريق إيران لخنق العراقيّين من الخلف.. ووافَقْنا فوراً، لأنَّ في ذلك فائدةً كبيرةً لنا وخدمةً يؤديها التحالف بشكل مجاني لنا، فدخلت على الفور قوات بريطانية وأسترالية ونيوزيلندية إلى بندر عباس في إيران وسارت مباشرة، برّاً وسرّاً في الليل لخنق العراقيّين.. لقد مهّدنا لهم الدرب. وفي اليوم التاسع عشر أُخرجت القواتُ العراقيةُ تماماً من الخدمة وقد خسرت أكبرَ وأخطرَ جبهة قتال ضد التحالف العالمي في أم قصر لسماحنا بدخول التحالف إلى إيران. فلولانا لما استطاع، لا الأميركان ولا الإنجليز احتلال العراق ولم يُمهّد الطريق لنا للاستيلاء عليه).
إنها الحقيقة المرّة لإيران المسلمة، والمجاورة، والشامتة دوماً. إيران، التي يتعين عليها العودة إلى «الدولة» وسلوكها لا إلى الثورة وتهوراتها، لتفهم أن جبرية الجغرافيا لا يجب أن تسمح لإيران بالتمادي والتدخل في شؤون دول الجوار والعبث باستقرارها وأمنها وتعثير تقدمها وتنميتها، لا تسمح لها تلك الجبرية بالاستمرار في ممارسات لا عقلانية تمليها أحلام توسعيّة لا علاقة لها بالعصر الحديث.